حلقات تحفيظ القرآن: نور العلم في قلوب الناشئة
مقدمة
في زمن تتسارع فيه المتغيرات وتزداد فيه التحديات التربوية والثقافية التي تواجه الجيل المسلم الصغير، تظل حلقات تحفيظ القرآن الكريم منارات مضيئة ترشد الأجيال نحو الثبات والاتزان والإلتزام، وتغرس فيهم القيم الإيمانية الأخلاقية التي تشكل أساساً قوياً لبناء المجتمعات. فحلقات التحفيظ ليست مجرد أماكن لحفظ القرآن فقط، بل هي بيئات تربوية متكاملة تغذّي العقل والروح، وتبني شخصية متزنة ملتزمة قادرة على التفاعل الإيجابي والدعوي مع محيطها.
تاريخ حلقات تحفيظ القرآن الكريم
ترتبط حلقات تحفيظ القرآن الكريم بتاريخ الأمة الإسلامية منذ عهد النبوة الأولى، حين جلس الصحابة رضي الله عنهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقّون الوحي ويحفظون آياته عن ظهر قلب. واستمرت هذه السنة الشريفة في حفظ القرآن وتلقيه عبر القرون، حتى باتت الحِلَق في المساجد والزوايا والمدارس الشرعية من أبرز مظاهر الاهتمام بالقرآن الكريم وتعظيمه وتعليمه، وشاهدة على حب المسلمين لكتاب ربهم وتمسّكهم به وتطبيقه في حياتهم العملية.
دور الحلقات في تنشئة الجيل الجديد
لا يخفى على أحد أن السنوات الأولى من عمر الإنسان تشكل المرحلة الذهبية في البناء التربوي والتعليمي. ومن هذا المنطلق، تأتي أهمية حلقات التحفيظ التي تستهدف الأطفال والناشئة، حيث يتم غرس القرآن في قلوبهم الطاهرة وهم في أعمار صغيرة، فينشأ الطفل وهو يحمل كلام الله في صدره، ويترعرع على منهج القرآن العظيم الذي يزرع فيه السكينة، ويعلمه الانضباط والصدق وحسن الخلق.
وقد أثبتت دراسات تربوية متعددة أن الأطفال الذين ينخرطون في حلقات تحفيظ القرآن يتميزون بقدرات ذهنية أعلى من أقرانهم، فضلًا عن امتلاكهم لمهارات التركيز، وضبط النفس، والانضباط السلوكي. إذ لا يقتصر أثر القرآن على الروح فقط، بل يمتد إلى الجوانب النفسية والاجتماعية والمعرفية أيضًا.
بيئة حاضنة للقيم
ما يميز حلقات التحفيظ عن غيرها من المؤسسات التعليمية، هو أنها لا تقدم العلم في صورته المجردة فقط، بل تصحبه بمنظومة أخلاقية راقية. فالمعلم في الحلقة لا يكون مجرد ناقل للمعلومة، بل هو قدوة يُحتذى بها، يعلّم طلابه الأدب مع الله، والأدب مع القرآن، والأدب مع الناس.
في هذه الحِلَق، يتعلم الطفل كيف يحترم الكبير، وكيف يتعامل مع زملائه بأخلاق، ويضبط لسانه وجوارحه، ويتخلق بأخلاق النبي ﷺ والأهم من ذلك المحافظة على الصلوات في المسجد. ومن هنا فإننا لا نبالغ إذا قلنا إن حلقات التحفيظ تساهم في بناء الطفل المسلم قبل بناء الحافظ.
تحديات تواجه حلقات تعليم القرآن
ورغم هذا الدور العظيم لهذه الحلقات، إلا أن حلقات التحفيظ تواجه في بعض المجتمعات تحديات كبيرة، منها ما هو مادي يتعلق بنقص الدعم والتمويل، ومنها ما هو تنظيمي يتعلق بعدم وجود كوادر مؤهلة كفاية، ومنها ما هو مجتمعي يتمثل في ضعف وعي بعض الأسر بأهمية هذه الحِلَق في تربية وبناء شخصية الطفل المسلم.
ويزداد التحدي في ظل انتشار وسائل التقنية من هواتف وشاشات وغيرها التي سرقت الوقت الكثير من وقت الناشئة، وغيّبت الاهتمام بالقراءة والحفظ وحب الكتب، وجعلت الطفل أسيراً ومدمناً لشاشات الجوال والتطبيقات الترفيهية، بعيداً عن مجالس العلم والقرآن.
الأثر المستدام
إن ما يغرسه القرآن في قلوب الناشئة لا ينتهي بانتهاء سنوات الحفظ، بل يرافقهم في كل مراحل حياتهم. فالشاب الذي يحفظ القرآن الكريم يتعامل مع الحياة بمنظور مختلف، ويواجه التحديات ومصاعب الحياة بروح قوية مطمئنة، ويكون أقرب إلى الله في قراراته وسلوكياته.
وفي المقابل، فإن المجتمع الذي يحتضن حلقات تعليم القرآن، ويحميها ويدعمها، هو مجتمع يبني لنفسه جيلًا واعيًا، متدينًا، مخلصًا لدينه ووطنه، ومتحصنًا من الانحرافات الفكرية والسلوكية.
دعوة للتفاعل والدعم
إن مسؤولية دعم حلقات تحفيظ القرآن تقع على الجميع: الآباء، والمربين، والدعاة، والمؤسسات، والجهات الخيرية. فالاستثمار في حفظة القرآن هو استثمار في أمة بأكملها. ويمكن لكل فرد أن يكون شريكًا في هذا الخير، سواء بالتبرع، أو بالمساهمة في التنظيم، أو حتى بتشجيع أطفاله على الالتحاق بهذه الحِلَق المباركة.
ولا ننسى دور الإعلام في إبراز هذه الجهود، وتسليط الضوء على النماذج المشرّفة من الحفّاظ والحافظات الذين أبدعوا في حياتهم العلمية والعملية بفضل ارتباطهم بكلام الله.
دور غراس الخير في دعم حلقات تعليم القرآن
لعبت جمعية غراس الخير الإنسانية دور عظيم في دعم حلقات تعليم في تحفيظ حلقات القرآن الكريم للأطفال في شمال سوريا، حيث لعبت هذه الحلقات دور عظيم في الحفاظ على تعليم الأطفال في ظل تدمير المدارس والمؤسسات التعليمية وقلة الكوادر التعليمية بسبب حرب نظام بشار الأسد على الشعب السوري وتدمير مرافقه التعليمية، تستمر غراس الخير بفضل الله وتبرعاتكم في دعم معهد وحلقات تعليم القران الكريم التي خرجت العديد من الاطفال الذيت تعلموا كتاب الله العظيم في السنوات الماضية، يمكنكم التبرع لمشروع دعم حلقات القرآن الكريم عبر الرابط التالي عبر بيبال أو البطافة البنكية.
ختامًا
تبقى حلقات تحفيظ القرآن الكريم نورًا يهدي، وسراجًا يُضيء دروب النشء من الأطفال واليافعين في عالم مليء بالظلمات الفكرية والضياع القيمي. إنها محاضن ومدارس تربوية عظيمة لا تقدّر بثمن، تستحق أن نوليها كل العناية، وأن نعيد لها حضورها القوي في واقعنا، لنضمن بناء أجيال تتسلّح بالعلم، وتستنير بالقرآن، وتحمل رسالة الخير إلى العالم.