مخلفات الحرب تهدد حياة أطفال سوريا
مخلفات الحرب تهدّد حياة أطفال سوريا
على امتداد الجغرافيا السورية، وبعد أكثر من عقد من الصراع، ما تزال مخلفات الحرب تشكّل خطرًا يوميًا يهدد حياة الأطفال، ويمنعهم من العيش بأمان أو ممارسة حقهم الطبيعي في اللعب والتعليم والنمو. فبرغم تراجع حدّة المواجهات المباشرة في كثير من المناطق، إلا أن آثار الحرب لا تزال تتربّص بالمدنيين، وبالأخص الفئة الأكثر هشاشة: الأطفال. إن الألغام الأرضية، والقذائف غير المنفجرة، والعبوات التي تركتها سنوات النزاع باتت اليوم أشباحًا صامتة تحصد أرواح الصغار أو تتركهم بإصابات دائمة تغيّر مجرى حياتهم إلى الأبد.
تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان والجهات الإنسانية إلى أن سوريا أصبحت من أكثر الدول الملوّثة بمخلفات الحرب على مستوى العالم. آلاف الألغام والقذائف مدفونة تحت التراب أو مكدّسة بين ركام البيوت، وغالبًا ما تنتشر في القرى الزراعية والحقول التي يلعب فيها الأطفال أو يساعدون أهاليهم في أعمالهم اليومية. هذا الواقع يجعل أي منطقة، مهما بدت آمنة، قابلة لأن تتحول في لحظة إلى مسرح مأساة جديدة.
الأطفال بطبيعتهم يميلون إلى الفضول والاكتشاف، وهذا ما يجعلهم عُرضة أكبر للخطر. قطعة معدنية غريبة، أو جسم صغير لامع، أو حتى صندوق صدئ قد يبدو بالنسبة لطفل لا يتجاوز العاشرة كشيء يستحق التقاطه أو اللعب به، دون أن يعرف أن مجرد لمسه قد يكون كافيًا لوقوع كارثة. وفي كثير من الحالات، يجد الأطفال مخلفات الحرب خلال طريقهم إلى المدرسة أو أثناء رعي الأغنام أو جمع الحطب، ما يجعل تجنّبها مسألة شبه مستحيلة.
ولا يقتصر الضرر على الإصابات الجسدية فحسب، بل يمتد ليشمل أبعادًا نفسية واجتماعية واقتصادية عميقة. الطفل الذي يفقد قدمه أو يده نتيجة انفجار لغم يعاني من ألمٍ لا ينتهي، ويواجه مستقبلًا مليئًا بالتحديات. قد يضطر لترك المدرسة، أو يصبح بحاجة إلى رعاية طبية طويلة الأمد لا قدرة لعائلته المنهكة عليها. كما تتكّون لدى كثير من الناجين صدمات نفسية قد تلازمهم حتى مرحلة البلوغ.
من جانب آخر، تشكّل مخلفات الحرب عائقًا أمام عودة الحياة الطبيعية للمجتمعات. ففي المناطق الزراعية، يخشى الأهالي العودة إلى أراضيهم وزراعتها، ما يؤدي إلى تراجع المحاصيل وارتفاع نسب الفقر وانعدام الأمن الغذائي. وفي المدن والبلدات، تبدو بعض الطرق والأحياء مهجورة خوفًا من وجود قذائف غير منفجرة تحت الركام. وهكذا تصبح مخلفات الحرب أداة إضافية لإطالة معاناة السوريين وتعطيل عملية التعافي والاستقرار.
ورغم الجهود المبذولة من قبل منظمات التطهير والفرق الهندسية، إلا أن حجم التلوث كبير جدًا مقارنة بالإمكانات المحدودة. كما أن عمليات إزالة الألغام تتطلب وقتًا طويلًا وتقنيات عالية وكلفة باهظة. من ناحية أخرى، تبقى التوعية السلاح الأكثر فاعلية لحماية الأطفال ريثما تُستكمل عمليات الإزالة. فبرامج التوعية التي تستهدف المدارس والمخيمات والقرى تساعد الأطفال على التعرّف إلى أشكال مخلفات الحرب، وتعلّمهم كيفية التصرف الصحيح عند مواجهتها، وتقلّل بشكل كبير من احتمالات وقوع الإصابات.
اليوم تُعدّ حماية أطفال سوريا من مخلفات الحرب مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود المنظمات الإنسانية، الجهات المحلية، المجتمع الدولي، والأسر نفسها. فكل لغم يُزال، وكل طفل يتلقى تدريبًا على السلامة، وكل منطقة تُطهر من القذائف، تمثل خطوة نحو مستقبل أكثر أمنًا.
إن إنهاء معاناة الأطفال مع مخلفات الحرب ليس مجرد عمل إنساني، بل هو استثمار في مستقبل سوريا نفسها. فالأطفال هم جيل الغد، والعيش في بيئة آمنة حق طبيعي لهم، ومسؤولية لا بد من تحملها لضمان تعافٍ حقيقي لوطن أنهكته سنوات الصراع.