المرأة السورية: من متلقية للمساعدة إلى قائدة للتغيير
مقدمة عن المرأة السورية
على امتداد سنوات الحرب والأزمات التي عاشتها سوريا، كانت المرأة السورية من أكثر الفئات تضرراً، ليس فقط لأنها فقدت الزوج أو الابن أو البيت، بل لأنها وجدت نفسها في مواجهة أعباء حياتية وظروف قاسية لم تكن في الحسبان. ومع مرور الوقت، تحولت المرأة السورية من متلقية للمساعدة الإنسانية والإغاثية إلى عنصر فاعل وقائدة للتغيير في محيطها، عبر قصص صمود ملهمة ومشاريع صغيرة صنعت الفرق في حياة أسرتها ومجتمعها.
وضع المرأة السورية خلال الحرب والأزمات
الحرب لم تُغيّر فقط ملامح المدن والقرى السورية، بل غيّرت أيضاً ملامح الحياة الاجتماعية. كثير من النساء وجدن أنفسهن معيلات وحيدات لأسر كاملة بعد فقدان الأزواج أو هجرتهم. ارتفعت نسب الترمل، وتضاعفت مسؤوليات الأمهات في تربية الأطفال، وتأمين احتياجاتهم الأساسية من مأكل ومأوى وتعليم.
في هذه المرحلة، تزايد اعتماد النساء على المساعدات الإنسانية: طرود غذائية، دعم نقدي، برامج إغاثة قصيرة الأمد. بدا الأمر في البداية وكأنه مجرد وسيلة للبقاء على قيد الحياة. لكن سرعان ما ظهرت الحاجة لخطوة أبعد: كيف يمكن تحويل هذا الدعم إلى فرصة للاستقرار والاعتماد على الذات؟

امرأة مهجرة تطهو الطعام
أمثلة عن مشاريع تمكين النساء
المنظمات الإنسانية والتنموية لعبت دوراً محورياً في هذه التحولات. فقد أدركت أن المساعدات المباشرة ليست حلاً طويل الأمد، وأن الاستثمار في مهارات النساء أكثر جدوى.
- المشاريع الصغيرة:
- منح مالية بسيطة لإنشاء محال بقالة، أكشاك غذائية، ورش خياطة، أو مشاريع إنتاج غذائي منزلي.
- هذه المشاريع لم تضمن دخلاً للأسرة فحسب، بل عززت شعور المرأة بقدرتها على الإنتاج والمشاركة.
- التدريب المهني:
- برامج تعليم الحرف كالخياطة، الحلاقة النسائية، صناعة الصابون والمنتجات اليدوية.
- ورشات تدريب على مهارات الإدارة المالية والتسويق الرقمي، ما أتاح لبعض النساء عرض منتجاتهن عبر الإنترنت والوصول لأسواق أوسع.
- الدعم النفسي والاجتماعي:
- لا يكتمل التمكين الاقتصادي دون دعم نفسي. الكثير من المراكز خصصت جلسات توعية، ندوات حقوقية، ومساحات آمنة للنساء لتبادل الخبرات.
- هذه المبادرات أسهمت في رفع الثقة بالنفس وتوسيع شبكة العلاقات الاجتماعية للمرأة.

مشاريع تمكين المرأة
أثر مشاركة المرأة في استقرار الأسرة والمجتمع
مشاركة المرأة السورية في النشاط الاقتصادي والاجتماعي انعكست بشكل مباشر على استقرار الأسرة. عندما تمتلك المرأة دخلاً ثابتاً، يقل اعتماد الأسرة على المساعدات ويزداد إحساسها بالأمان. الأطفال يستفيدون أيضاً: تعليم أفضل، غذاء وافر، ودعم نفسي أقوى من أم معيلة واثقة بذاتها.
على المستوى المجتمعي، دخول النساء مجال العمل والقيادة ساعد في إعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي تمزق خلال الحرب. النساء أصبحن مشاركات في المبادرات الأهلية، في حملات التوعية الصحية. وجودهن لم يعد شكلياً، بل مؤثراً وحقيقياً.
الأهم أن هذه المشاركة كسرت الصورة التقليدية للمرأة كـ”مستقبِلة للدعم”، وأعادت رسم دورها كـ”شريك في التنمية وإعادة البناء”. اليوم يمكن أن نرى نساءً يدربن أخريات، ونساءً يؤسسن مبادرات مجتمعية صغيرة تهدف إلى التعليم أو البيئة أو رعاية الأطفال.
خاتمة
رحلة المرأة السورية خلال الحرب والأزمات هي رحلة استثنائية: من الضعف إلى القوة، ومن الاعتماد على الغير إلى الاعتماد على الذات. ما بين تلقي الدعم والمشاركة في صنع التغيير، برزت قصص ملهمة تثبت أن المرأة ليست فقط ضحية الأزمات، بل قادرة أن تكون قائدة للتغيير وصانعة للأمل.
تمكين النساء ليس ترفاً تنموياً، بل ضرورة لبقاء الأسرة واستقرار المجتمع. فحين تنهض المرأة، ينهض معها البيت، ويزدهر المجتمع بأسره. والمرأة السورية اليوم مثال حي على أن الإرادة والعزيمة يمكن أن تحوّل أقسى الظروف إلى بداية جديدة.