مقدمة عن تأثير العودة من دول اللجوء على تعليم الأطفال في سوريا

شهدت سوريا خلال السنوات الماضية موجات متتالية من النزوح واللجوء إلى دول الجوار مثل تركيا ولبنان والأردن، هرباً من الحرب وقصف نظام الرئيس الهارب بشار الأسد وكذلك تدهور الأوضاع الإنسانية. وخلال هذه الهجرات القسرية الطويلة، انقطعت آلاف العائلات عن بيئاتها التعليمية الأصلية، ما انعكس بشكل عميق على مستقبل أبنائها. ومع بدء عودة بعض هذه العائلات إلى الداخل السوري، تواجه شريحة واسعة من الأطفال العائدين تحديات كبيرة تتعلق بإعادة الاندماج في النظام التعليمي السوري. وتبرز الحاجة الملحة إلى فهم واقع هؤلاء الأطفال، وصياغة استجابات مجتمعية مدروسة لمساعدتهم على التأقلم والتعويض.

 

أولاً: عودة صعبة إلى بيئة تعليمية هشة

يعود الأطفال من اللجوء غالباً إلى بيئة تعليمية منهكة بفعل الحرب المدمرة، حيث تعاني سوريا من:

1-نقص الكوادر التعليمية ولاسيما المدربة في ظل غياب الدعم المادي وتدني الرواتب، هذا إن وجدت حيث يعمل الكثير من المدرسين بشكل تطوعي بدون راتب رغم أوضاعهم المادية الصعبة.

2-البنية التحتية المدمّرة، حيث وفق منظمة اليونيسيف هناك أكثر من 7000 مدرسة مدمرة في سوريا مابين تدمير كامل وجزئي وهذا مايمثل تقريبا 40% من مدارس سوريا.

أكثر من 7,000 مدرسة متضررة أو مدمّرة في سوريا

3-المدارس المكتضة،بينما كان بعضهم يدرس في مدارس منظمة نسبياً في تركيا أو الأردن، يجد نفسه الآن في صفوف مكتظة، أو بلا مدارس قريبة على الإطلاق.

كثير من الأطفال العائدين تسربوا من التعليم لسنوات، بسبب عدم الاعتراف بشهاداتهم، أو لصعوبة متابعة الدراسة في لغات غير لغتهم الأم، أو بسبب عملهم لمساعدة أسرهم. عند العودة، يواجه هؤلاء الأطفال فجوات تعليمية ضخمة، حيث يتراجع مستواهم الدراسي مقارنة بأقرانهم، ما يؤدي إلى شعور بالإحباط والتهميش.

عودة صعبة إلى بيئة تعليمية هشة

ثانياً: تحديات اللغة والمنهج

أحد أبرز التحديات التي تواجه الأطفال العائدين من تركيا، على وجه الخصوص، هو حاجز اللغة. فمعظمهم تلقوا تعليمهم الأساسي باللغة التركية، وبعضهم لا يجيد القراءة والكتابة بالعربية. العودة إلى المناهج السورية التي تعتمد كليًا على العربية تمثل صدمة معرفية، تجعل الطفل يشعر بالغربة في صفه ومدرسته.

الأمر لا يتعلق فقط باللغة، بل أيضًا بطريقة التعليم. فالمناهج في دول اللجوء غالبًا ما تتبع نمطًا تفاعليًا، بينما تعتمد المدارس السورية (خصوصًا في المناطق الأقل دعمًا) على أساليب تقليدية تلقينية. الفجوة هنا تؤدي إلى صراع في فهم التوقعات التعليمية، وتعيق الطفل عن التفاعل السلس مع مدرّسيه.

تحديات اللغة والمنهج

ثالثًا: الفجوات النفسية والاجتماعية

يعود الأطفال محمّلين بتجارب مختلفة: حياة في بيئة غريبة، احتمالية تعرضهم للتنمر أو العنصرية، شعورهم بالانفصال عن وطنهم الأم، أو حتى معاناة ذويهم في المخيمات. كل ذلك يترك أثراً نفسياً عميقاً، ينعكس على قدرتهم على التركيز، التفاعل، والانخراط في الصف الدراسي.

كثير منهم يعاني من قلق، توتر، أو فقدان ثقة بالنفس. هذه المشكلات النفسية غير مرئية للمعلم العادي، لكنها تعيق التعلم بشكل كبير. كما أن الاختلاف في المظهر أو اللهجة أو السلوك قد يجعلهم عرضة للتنمر من زملائهم، مما يزيد من شعورهم بالعزلة.

 

رابعًا: دور المجتمع المحلي والمبادرات المدنية

وسط هذا الواقع الصعب، برزت عدة مبادرات مجتمعية تعمل على سد هذه الفجوات، وهي مبادرات مجتمعية محلية تهدف إلى دعم إعادة تأهيل الأطفال العائدين إلى التعليم ودعم العملية التعليمية.

تعمل على أكثر من محور:

  1. برامج دعم لغوي: تقدم دورات مكثفة في اللغة العربية للأطفال العائدين من تركيا لتأهيلهم للاندماج في المناهج السورية.
  2. تعويض الفاقد التعليمي: تقدم حصص تقوية للمواد الأساسية كالرياضيات والعلوم، عبر مدرسين متطوعين أو بتمويل محدود من جهات خيرية.
  3. دعم نفسي اجتماعي: تنظم ورشات رسم وتفريغ انفعالي وجلسات دعم نفسي جماعية للأطفال للتخفيف من آثار الصدمة والقلق.
  4. تمكين الأهل: تُعقد جلسات توعية لأهالي الأطفال العائدين حول كيفية دعم أبنائهم نفسيًا وتربويًا، وهو جانب بالغ الأهمية لتثبيت التعليم في البيت.
  5. ربط مع المدارس الرسمية: تتعاون غراس الخير مع المدارس في المنطقة لتقديم تقييم مبدئي لكل طفل عائد، وتحديد الصف المناسب له بدلًا من إعادتهم لصفوف أدنى فقط بسبب العمر.

 

خامساً:ماذا يحتاج الأطفال العائدون من دول اللجوء

رغم الجهود المحلية، يبقى الدعم غير كافٍ. لذلك الأطفال العائدون يحتاجون إلى:

  • مناهج مرنة تستوعب الفروقات الفردية
  • دورات تمهيدية إلزامية قبل العودة للمدارس
  • معلمين مدرّبين نفسيًا وتربويًا للتعامل مع التحديات الخاصة بهذه الفئة
  • دعم نفسي دائم وليس مؤقت
  • سياسات تعليمية واضحة من وزارة التربية لضمان دمج الأطفال العائدين بلا تمييز

ماذا يحتاج الأطفال العائدين من بلدان اللجوء

 

خاتمة

إن عودة الأطفال من دول اللجوء إلى سوريا تضعهم في مفترق طرق: إما أن يجدوا بيئة حاضنة تمكّنهم من اللحاق بركب التعليم، أو أن يُتركوا ليصارعوا وحدهم الفجوات والضغوط، فينكسر مستقبلهم مرة أخرى. المبادرات المجتمعية دائماً تقدّم بصيص أمل، لكنها تحتاج إلى دعم أكبر وتنسيق مؤسساتي لضمان أن يكون التعليم جسراً للعودة، لا عائقاً جديداً في وجه الطفولة السورية المنهكة.