مخاطر الصيف على النازحين: الخيام لا تقي حرًّا ولا تردّ عطشًا
مقدمة عن مخاطر الصيف على النازحين
في قلب مناطق النزوح، حيث لا جدران صلبة ولا بنية تحتية تحمي الإنسان من قسوة الطبيعة، يعيش آلاف النازحين صيفاً آخر تحت لهيب الشمس الحارقة، في خيام لا تقي من حرّ، ولا تضمن الكرامة الإنسانية. ومع تكرار موجات النزوح وتراكم الأزمات، بات الصيف موسماً للمعاناة الحارقة، لا للمواسم، ولا للراحة، بل للفقر والمرض والانقطاع المستمر لأبسط مقومات الحياة.
الخيام… بيوت من لهيب
في منتصف النهار، تتحول الخيام البلاستيكية المنتشرة في مخيمات النزوح إلى غرف مغلقة تفوق حرارتها الخمسين درجة مئوية، فلا نوافذ للتهوية، ولا عزل يمنع اختناق الداخلين فيها. هذه الخيام التي بُنيت كحل مؤقت أصبحت واقعاً طويل الأمد لعائلات بأكملها، يعيش فيها الأطفال وكبار السن والمرضى، دون وسائل تبريد أو حماية من الحرارة. إن العيش في هذه الظروف، لساعات طويلة يومياً، يترك آثاراً صحية ونفسية جسيمة على السكان، خاصة على الأطفال الذين لا يحتملون درجات الحرارة العالية، ما يزيد من حالات الإغماء، ضربة الشمس، والجفاف.
الماء… أزمة متكررة في قلب الصيف
في فصل ترتفع فيه الحاجة للماء إلى أقصى مستوياتها، يعاني النازحون من شحٍّ في إمدادات المياه النظيفة. يتم توزيع المياه غالباً بواسطة الصهاريج، والتي قد لا تصل إلا مرة أو مرتين في الأسبوع، ما يضطر العائلات إلى تقنين استخدامها لأدنى حد، مهددين بعطش دائم. الحاجة إلى المياه لا تقتصر على الشرب، بل تمتد للنظافة الشخصية، وغسل الملابس، وتنظيف الطعام، ما يجعل نقصها مصدراً إضافياً للأمراض الجلدية والمعوية التي تنتشر سريعاً في بيئات غير صحية كهذه.

سقيا الماء أحد أهم الصدقات للمحتاجين وثوابها عظيم
الحرّ يولد الأمراض والاضطرابات
من آثار الصيف الصحية في المخيمات، ارتفاع خطر الإصابة بضربات الشمس، التهابات الجلد، والإسهال الناتج عن سوء تخزين الطعام أو استخدام مياه غير نظيفة. كما أن البنية الصحية المحدودة في المخيمات لا تتيح دائماً الرعاية الطبية العاجلة أو الأدوية المناسبة، ما قد يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية للمرضى.
تنتشر الحشرات بكثافة خلال الصيف، خاصة البعوض والذباب، ما يؤدي إلى زيادة حالات العدوى والأمراض المنقولة. ورغم كل هذه المخاطر، تفتقر معظم المخيمات إلى برامج وقائية فعالة أو رش منتظم للمبيدات، بسبب نقص التمويل والدعم.
العزلة… ونفسيات على حافة الانهيار
الصيف لا يرهق الجسد فحسب، بل يضغط على النفس أيضاً. في ظل قلة المرافق الترفيهية للأطفال، وانعدام النشاطات الصيفية، يعيش النازحون أياماً متشابهة، خانقة، ومليئة بالإجهاد. تزداد معدلات التوتر بين الأمهات، ويشعر الرجال بالعجز، بينما تعاني المراهقات من القيود المفروضة عليهن داخل بيئات تفتقر للخصوصية.
الأثر النفسي المتراكم يظهر على شكل اكتئاب، نوبات قلق، وانفجارات غضب، وهو ما يؤثر على تماسك الأسرة والمجتمع داخل المخيم. ومع غياب الدعم النفسي المتخصص، تبقى هذه الجروح غير مرئية، لكنها عميقة.
التكيّف أم الحلول المستدامة؟
إن الاعتياد على المعاناة لا يجب أن يكون خياراً. فالنازحون ليسوا أرقاماً في تقارير، بل بشر لهم حق في الكرامة، في الراحة، في التبريد والماء والعناية. الحلول يجب ألا تقتصر على توزيع مظلات أو قوارير ماء، بل تحتاج إلى مقاربة شاملة تشمل:
- تحسين بنية الخيام باستخدام مواد عازلة للحرارة تسمح بالتهوية وتقلل من درجات الحرارة الداخلية.
- إمداد المخيمات بالطاقة البديلة كالألواح الشمسية لتشغيل مراوح أو أجهزة تبريد بسيطة.
هنا مشروع مهم لجمعية غراس الخير في توزيع المراوح للمخيمات بالشمال السوري
- توفير خزانات مياه ومضخات ثابتة تضمن وصول المياه بشكل دائم وآمن.
حملة سقيا الماء لجمعية غراس الخير في الشمال السوري
- تنظيم حملات صحية وقائية خلال الصيف لرصد الأمراض ومكافحتها.
- إنشاء مساحات صديقة للأطفال والنساء، لتوفير بيئة آمنة ونشاطات ترفيهية وتوعوية.
دعوة للعمل الإنساني المستدام
إن أزمة الصيف في مخيمات النزوح لا تُحلّ بالنيات الحسنة فقط، بل تحتاج إلى تدخل عاجل ومخطط، من قبل المنظمات الإنسانية، السلطات المحلية، والداعمين الدوليين. الوقت ليس في صالح هؤلاء الذين يعيشون بين لهيب الشمس والحرمان، والحاجة اليوم أكبر من أي وقت مضى لإعادة النظر في شكل المساعدات وآليات توزيعها.
النازحون لا ينتظرون ترف الحياة، بل الحد الأدنى من الكرامة. وحين تصبح الخيمة غير قادرة على حماية الإنسان من حرارة الصيف، يصبح الصمت جريمة.