مقدمة

رغم تعدّد الأزمات التي مرّت بها سوريا خلال العقد الأخير، من حرب مدمّرة وأزمات اقتصادية متلاحقة، تبقى كارثة حرائق غابات سوريا واحدة من أكثر الكوارث التي لم تنل ما تستحقه من الاهتمام، رغم آثارها العميقة والممتدة على البيئة والإنسان والاقتصاد المحلي.

في الوقت الذي تتوجه فيه الأنظار إلى ملفات أكثر صخبا سياسياً أو اقتصادياً، تستمر الغابات السورية — خاصة في المناطق الساحلية في محافظات طرطوس واللاذقية— بالاحتراق موسماً بعد آخر، لتخسر البلاد واحدة من أغنى ثرواتها الطبيعية التي تعد المتنفس الوحيد كونها رئة سوريا الخضراء.

 سوريا الخضراء… تحترق

تشتهر سوريا بتنوعها البيئي الغني، خاصة في المناطق الجبلية الغربية مثل اللاذقية، طرطوس، ريف حماة، وريف حمص. تحتوي هذه المناطق على مساحات شاسعة من الغابات الطبيعية التي تضم أنواعًا مثل الصنوبر، السنديان، الكينا، والزيتون البري، والتي تلعب دورًا مهمًا في حفظ التربة، وتوفير الرطوبة، وتنقية الهواء.

لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت هذه الغابات هدفاً موسمياً للحرائق الكارثية في فصل الصيف. ففي صيف عام 2020 وحده، شهدت سوريا أكثر من 150 حريقاً كبيراً التهمت آلاف الهكتارات، وتسببت في تشريد عشرات الأسر التي تعيش قرب الأحراش، وتدمير مصادر رزق قائمة على الزراعة والغابات.

أطلقت جمعية غراس الخير الإنسانية حملة تشجير غابات سوريا بعد وقوع سلسلة حرائق كارثية دمرت مساحات واسغة من الغابات والغطاء النباتي، بهدف استعادة الحياة إلى الغابات التي تمثل رئة سوريا الطبيعية للتبرع للحملة عبر الرابط التالي 

أسباب حرائق غابات سوريا: طبيعية؟ أم إهمال؟ أم فعل فاعل؟

في ظل ضعف آليات التحقيق، يصعب إعطاء إجابة قطعية، لكن يمكن تلخيص أبرز الأسباب المحتملة كما يلي:

  • العوامل المناخية:
    ارتفاع درجات الحرارة، مع الجفاف الطويل، وقلة الأمطار، جعلت الغابات أكثر هشاشة أمام أي شرارة بسيطة.
  • الإهمال البشري:
    مثل إشعال نيران عشوائية، أو ترك مخلفات قابلة للاشتعال، خصوصًا من قبل الزوار السياح أو المزارعين المحلين.
  • فعل فاعل:
    في بعض الحالات، وُجهت أصابع الاتهام إلى عمليات تخريب متعمّدة أو استغلال سياسي لبعض الحرائق.
  • غياب البنية التحتية للوقاية:
    غياب أبراج المراقبة، وندرة الطائرات المخصصة للإطفاء، وضعف تجهيزات فرق الدفاع المدني، كلها جعلت الاستجابة ضعيفة ومتأخرة.

حرائق الغابات في سوريا

 التأثير البيئي العميق عن حرائق غابات سوريا

خسارة الغابات ليست مجرد منظر طبيعي يُمحى، بل تؤدي إلى انهيار توازن بيئي معقد، نلخّصه في:

  • تعرية التربة: مما يزيد من مخاطر الانجرافات والسيول في الشتاء.
  • انخفاض التنوع الحيوي: حيث تموت أو تهاجر كائنات تعيش ضمن النظام البيئي المحروق.
  • اختلال دورة المياه: إذ تساهم الغابات في احتجاز الرطوبة وتنظيم المناخ المحلي.
  • زيادة ثاني أكسيد الكربون: ما يعني مساهمة في تفاقم أزمة المناخ العالمية.

 خسائر اقتصادية واجتماعية غير مرئية

تعتمد آلاف العائلات السورية في المناطق الريفية على الغابات لكسب رزقها من خلال: زراعة الزيتون، تربية النحل، جمع الحطب، ورعي الماشية.

حرائق الغابات دمّرت هذا المصدر الحيوي للعيش، وزادت من الضغوط على الأسر الفقيرة، دون وجود تعويضات حكومية واضحة، أو برامج دعم فعّالة لإعادة الإعمار البيئي.

كما أن السياحة البيئية — التي كانت تشكل مصدر دخل موسمي في بعض المناطق — تراجعت بشكل كبير بسبب تشوه المناظر الطبيعية.

 غياب الاستجابة والتخطيط البيئي

واحدة من أبرز مشكلات التعامل مع حرائق الغابات في سوريا هي الافتقار إلى خطة وطنية متكاملة لمواجهة الحرائق، ومنعها، والاستجابة لها.

لا توجد حملة توعية بيئية مستدامة، ولا منظومة مراقبة مبكّرة، ولا أسطول إطفاء جوي كافٍ، خصوصًا في بلد يعاني من نقص حاد في الموارد بعد الحرب. والأسوأ من ذلك، أن موضوع البيئة ما زال في أسفل سلّم الأولويات الحكومية والإعلامية.

 ماذا يمكن فعله؟

في ظل هذا الواقع، من الضروري التحرك على أكثر من مستوى:

  • إطلاق حملات تشجير موسمية منظمة بمشاركة المجتمعات المحلية.
  • تأهيل فرق الإطفاء الريفية وتوفير المعدات اللازمة.
  • توعية السكان حول سبل الوقاية من الحرائق في المناطق القريبة من الغابات.
  • استخدام التكنولوجيا (مثل الأقمار الصناعية والطائرات المُسيّرة) لرصد البؤر الساخنة مبكرًا.
  • سنّ قوانين صارمة بحق من يفتعل الحرائق أو يعتدي على الغابات.

حرائق الغابات في سوريا2

الخاتمة: الحفاظ على الغابات مسؤولية الجميع

قد تكون الغابة “صامتة”، لا تصرخ عند احتراقها، ولا تشكو في نشرات الأخبار، لكنها روح الطبيعة ومصدر الحياة.

حرائق الغابات في سوريا ليست مجرد “حرائق صيفية”، بل كارثة بيئية وإنسانية مزمنة تتفاقم عامًا بعد آخر، بصمت، بينما تنشغل البلاد بأزماتها اليومية.

إن إعادة الاعتبار للبيئة السورية ليست رفاهية، بل ضرورة ملحّة من أجل مستقبلٍ يمكننا أن نعيش فيه نحن وأولادنا على هذه الأرض.