مقدمة عن المرأة الريفية السورية

في قلب الريف السوري، حيث تتقاطع بساطة الحياة مع قسوة الظروف، تقف المرأة الريفية شامخةً كرمزٍ للعطاء والصبر والإبداع. إنها ليست مجرد ربة منزل أو عاملة في الحقل، بل هي عماد الأسرة السورية وركيزة التنمية المحلية التي تبنى عليها آمال النهوض الاقتصادي والاجتماعي، خاصة بعد سنواتٍ من التحديات التي واجهها المجتمع السوري.
لقد أثبتت التجارب أن تمكين المرأة الريفية ليس عملاً خيرياً أو ترفاً اجتماعياً، بل هو استثمار حقيقي في التنمية المستدامة، لأن المرأة حين تمتلك الأدوات والإمكانات، فإنها تغيّر واقع أسرتها ومجتمعها بأكمله.

 

 المرأة الريفية بين التحدي والصمود

تعيش المرأة الريفية السورية في بيئة معقدة تتسم بشحّ الموارد وصعوبة الظروف المعيشية، ومع ذلك لم تتوقف عن العمل والعطاء. فمنذ فجر التاريخ، كانت المرأة في الريف السوري شريكة الرجل في الزراعة وتربية المواشي وصناعة الغذاء. ومع مرور الزمن، لم تكتفِ بهذا الدور التقليدي، بل طوّرته لتصبح منتجةً مستقلةً قادرة على تسويق منتجاتها والمشاركة في الاقتصاد المحلي.

 المرأة الريفية بين التحدي والصمود

وفي سنوات الحرب والأزمة، حين غاب كثير من الرجال أو فقدت الأسر مصادر رزقها، تحوّلت المرأة الريفية إلى عمود الأسرة الاقتصادي والاجتماعي. كانت هي التي زرعت وحصدت، وأدارت شؤون البيت، وربّت الأبناء، وحافظت على تماسك النسيج الاجتماعي في قراها. ومع أن المسؤولية تضاعفت، إلا أن تلك الظروف أظهرت وجهها الحقيقي كقوة منتجة قادرة على البناء رغم الألم.

 

قصص نجاح تزرع الأمل

في محافظات اللاذقية ودرعا وريف دمشق وحمص، تتردد اليوم قصص نساء استطعن تحويل التحدي إلى فرصة.

إحدى هذه القصص تعود إلى أم عمر، وهي سيدة من ريف حمص فقدت زوجها في سنوات الحرب. بدأت بزراعة قطعة أرض صغيرة حول منزلها بالخضروات والأعشاب الطبية. ومع الوقت، اكتسبت خبرة في التجفيف والتعبئة اليدوية، حتى صارت منتجاتها تُباع في الأسواق المحلية تحت اسم “منتجات أم عمر الريفية”. هذا المشروع البسيط وفر لها دخلاً ثابتًا، وساهم في تعليم أبنائها واستقرار أسرتها.

وفي ريف اللاذقية، أطلقت مجموعة من النساء مبادرة لصناعة المربيات والدبس والصابون البلدي من منتجات محلية، تحت إشراف جمعية نسوية مدعومة من منظمات تنموية. خلال ثلاث سنوات فقط، توسع المشروع، وأصبح يُصدّر جزءًا من إنتاجه إلى المدن الكبرى، مما وفر فرص عمل لعشرات النساء في القرية.

أما في جنوب سوريا، فقد نجحت نساء من ريف درعا في إعادة إحياء زراعة الزعتر والكمون كمحاصيل بديلة ذات ربح مرتفع، بفضل الدورات التدريبية التي نظمتها مؤسسات دعم المرأة الريفية. هذه المبادرات الصغيرة أصبحت نواة لمشاريع اقتصادية ناجحة، تساهم في تحقيق الأمن الغذائي المحلي وتدعم الاقتصاد الوطني من القاعدة إلى القمة.

 

الحرف اليدوية: تراث يتحول إلى مصدر دخل

لم تقتصر إبداعات المرأة الريفية السورية على الزراعة فقط، بل امتدت إلى القطاع الحرفي، حيث تتقن كثير من النساء صناعة السجاد اليدوي، والتطريز، وصابون الغار، ومنتجات القش، والنسيج التقليدي.

في قرى ريف حلب وإدلب وطرطوس، نجد نساءً حولن مهارات الجدّات في التطريز وصناعة الدمى القماشية إلى مشاريع تسويقية عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. ومع التدريب والدعم التسويقي، أصبحت تلك الحرف رمزًا لهوية الريف السوري، ومصدر رزق كريم لعشرات العائلات.

الحرف اليدوية: تراث يتحول إلى مصدر دخل

الحرف اليدوية لا توفر دخلاً فحسب، بل تحفظ التراث وتعيد الاعتبار للهوية الثقافية التي كادت أن تندثر بفعل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. إن ما تصنعه أيادي النساء الريفيات ليس مجرد منتج، بل حكاية انتماء وإبداع وصبر.

 

 التمكين الاقتصادي: الطريق إلى التنمية المستدامة

إن الحديث عن المرأة الريفية لا يكتمل من دون التطرق إلى مفهوم التمكين الاقتصادي، الذي يعدّ حجر الأساس لتحقيق التنمية المستدامة. فالتمكين لا يعني منح المساعدات فحسب، بل يشمل التدريب، والتعليم، وتسهيل الوصول إلى الموارد والأسواق.

برامج الأمم المتحدة والمنظمات المحلية التي عملت في سوريا خلال العقد الأخير أظهرت أن كل دولار يُستثمر في دعم المرأة الريفية يعود بأضعافه على المجتمع، لأن النساء يستثمرن عائدات مشاريعهن في تعليم الأطفال وتحسين الصحة والغذاء والسكن.

تمكين المرأة الريفية يعني أيضاً منحها صوتًا في صنع القرار المحلي، وإشراكها في الجمعيات الزراعية والتعاونيات الإنتاجية. فحين تشارك المرأة في إدارة المشاريع، تكون النتائج أكثر استدامة وعدالة، لأن قراراتها ترتبط مباشرةً بحاجات الأسرة والمجتمع.

 

المرأة الريفية… نحو مستقبل أفضل

اليوم، وفي ظل التوجه العالمي نحو الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة، تبرز المرأة الريفية السورية كشريك أساسي في حماية البيئة وإنتاج الغذاء المحلي.
فهي الأكثر ارتباطًا بالأرض والماء والمناخ، والأقدر على تبنّي ممارسات زراعية صديقة للبيئة مثل الزراعة العضوية وإعادة التدوير وحفظ البذور المحلية.

ومع ازدياد برامج الدعم والتدريب، بدأت نساء كثيرات يتحولن من عاملات إلى رائدات أعمال ريفيات. مشاريع صغيرة كإنتاج الألبان العضوية، وصناعة الصابون الطبيعي، وتجفيف الفواكه، وتحويل النباتات الطبية إلى زيوت عطرية — كلها قصص نجاح تكتب فصول التنمية من قلب القرى السورية.

 

 الخاتمة

إن المرأة الريفية السورية لم تكن يومًا هامشية أو تابعة، بل كانت ولا تزال قلب الريف النابض بالحياة والإنتاج.
هي التي تزرع الأمل في الحقول، وتصنع الخبز والدفء بيديها، وتحوّل التراث إلى فرصة عمل. إن دعمها وتمكينها ليس واجبًا أخلاقيًا فحسب، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل سوريا.

وحين تُمنح هذه المرأة الفرصة لتبدع وتنتج وتشارك في صنع القرار، فإن التنمية لا تعود مجرد شعار، بل تصبح واقعًا ملموسًا يثمر استقرارًا اقتصاديًا واجتماعيًا مستدامًا لكل الوطن.