الذكرى الأولى لتحرير سوريا 8/12 يوم لن ينساه السوريون
الذكرى الأولى لتحرير سوريا 8/12… يوم لن ينساه السوريون
في تاريخ الشعوب، هناك أيام لا يمكن أن يمحوها الزمن، لأنها لا تحمل حدثًا عابرًا، بل تحوّلًا عميقًا في الوعي والهوية والذاكرة. ويأتي يوم 8 ديسمبر كأحد تلك الأيام التي ستبقى محفورة في وجدان السوريين جيلًا بعد جيل، لما حمله من معانٍ كبيرة تتجاوز حدود السياسة والعسكر، إلى آفاق الحرية والكرامة واستعادة الأمل. إنه اليوم الذي يُشار إليه اليوم بـ “الذكرى الأولى لتحرير سوريا”، اليوم الذي أعاد للشعب السوري الإيمان بأن التضحيات لم تذهب سُدى، وأن صوت الإرادة أقوى من كل شيء.
عندما بزغ صباح ذلك اليوم، حمل السوريون شعورًا لا يشبه أي شعور آخر. فقد كان التحرير بالنسبة للكثيرين حلمًا بعيدًا، كاد أن تبتلعه سنوات الألم والتهجير والخسارات. لكنّ يوم 8/12 جاء ليقول إن الأوطان لا تُولد من جديد إلا من رحم الصبر، وإن الشعوب لا تُهزم طالما بقي فيها نبضٌ واحدٌ يؤمن بالحرية.
لم يكن هذا اليوم مجرّد إعلان رمزي، بل كان لحظة انفجار فرح جماعي امتد من المدن الكبيرة إلى أصغر القرى. خرج الناس إلى الساحات بعشرات الآلاف، رافعين شعاراتهم وأعلامهم، مستعيدين مشاهد لطالما حُوصرت سنوات طويلة. اختلطت الدموع بالهتاف، وعادت إلى الوجوه ملامح لم يعد أحد يذكر آخر مرة ظهرت فيها: ملامح الطمأنينة والانتماء والشعور بأن المستقبل يمكن أن يكون مختلفًا.
كان هذا اليوم أيضًا مناسبة لاستحضار تضحيات السوريين طوال سنوات الصراع. آلاف الشهداء، وملايين المهجّرين، وأسر فقدت أبناءها، وأطفال فقدوا طفولتهم. لم يكن التحرير نهاية للقصة، بل فصلًا جديدًا كتب فيه السوريون بدموعهم وأصواتهم أن الحرية ليست منحة، بل حقًا يدفع ثمنه الغالي. لذلك شعر الكثيرون يومها بأن أرواح من رحلوا كانت حاضرة بينهم، تشاركهم الفرحة وتبارك الطريق الجديد.
وبالرغم من أن سوريا بعد التحرير تحتاج إلى الكثير من العمل، من إعادة بناء البنية التحتية إلى استعادة النسيج الاجتماعي، إلا أن يوم 8/12 أعاد للناس الشعور بأن هذا الطريق ممكن. فقد كان التحرير خطوة كبرى على طريق طويل، لكنه أعاد الثقة المفقودة، وأثبت أن إرادة الشعب تصنع المستحيل. ومنذ ذلك اليوم، بدأت أحلام العودة وإعادة الإعمار تتفتح في قلوب السوريين من جديد، بعد أن ظلت لسنوات سجينة اليأس والانتظار.
كما فتح هذا اليوم الباب لوعي جديد لدى الأجيال الشابة. فقد شاهد الأطفال والمراهقون مشهدًا مختلفًا عن الحرب والدمار الذي رافق طفولتهم؛ شاهدوا الناس يحتفلون، يشعرون بالكرامة، يرفعون رؤوسهم دون خوف. وهذا وحده كافٍ ليؤسس جيلًا جديدًا لديه رجل ثابتة وقناعة بأن الوطن ليس ساحة صراع فقط، بل مساحة للسلام والعمل والحياة.
إن الذكرى الأولى لتحرير سوريا ليست مجرد مناسبة تقام فيها الاحتفالات وتنتشر فيها الصور، بل هي محطة لمراجعة الذات والتمسّك بالطريق الذي دفع السوريون ثمنه غاليًا. إنها فرصة لتجديد العهد بأن سوريا التي حلموا بها، سوريا التي نزفوا من أجلها، تستحق أن تُبنى بعقولهم وقلوبهم قبل أيديهم. يوم 8/12 كان بداية عهد جديد، ولن ينساه السوريون لأنه كتب بدمائهم وأصواتهم ودموعهم.
سيبقى هذا اليوم شاهدًا على أن الشعوب لا تُقهر حين تتوحد، وأن سوريا—مهما طال الليل فوقها—قادرة دائمًا على النهوض من جديد، لتكتب فجرًا يليق بشعب لا يعرف الاستسلام.